صدر للباحث سامر إسلامبولي كتاب بعنوان"القرآن بين اللغة والواقع" عن دار الأوائل في دمشق عام 2005م ، وهو في 160 صفحة من القطع المتوسط، وقد قدم له د. سمير إبراهيم حسن عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة دمشق.
يبحث الكتاب في علاقة القرآن واللغة والواقع ، ويذكر أن العلاقة بينهم قائمة على الانسجام والتناغم، وأنهم جميعاً خاضعون للقوانين ذاتها من حيث الثبات والتغير، ويذكر أن القرآن له ُبعدان؛ الأول: بُعد لغوي، والآخر: بُعد آفاقي، ولا بد لعملية دراسته من إسقاط الُبعد اللغوي المتمثل بالنص القرآني المتلو على الُبعد الآفاقي المتمثل بالوجود الموضوعي (آفاق وأنفس)، وأي فصل بينهما يؤدي إلى فشل الدراسة وإفراغ الكلمات من مدلولاتها في الواقع، وتطرق المؤلف إلى نشأة اللغة، وذكر أن اللغة ولدت من جراء تفاعل الإنسان الأول كجماعات مع ظواهر الطبيعة والأحداث، فقام بالتفاعل معها كفعل ورد فعل، فحاكى الظواهر بإصدار الأصوات الثنائية المقطع، وعندما اشتدت الحاجة والضرورة وكثرت الجماعات واحتاج الإنسان لموارد لتأمين غذائه وأمنه، وصل إلى أنه لا بد من وجود المجتمع، فظهر المجتمع بنظامه، وبظهور المجتمع ظهر التفكير كظاهرة اجتماعية ملحة، واستخدم اللغة الثنائية كحقل وميدان للتفكير، فظهرت الكلمات الثلاثية لتحمل أفكاره ومعلوماته، وتجسدها لغة فظهرت اللغة الاجتماعية، وفرق بين اللسان واللغة، فقال: إن اللغة هي نظام لتركيب الكلمات واستخدامها على نمط معين، بينما اللسان هو أداة مستخدمة في النطق، ولكل مجتمع لسان خاص به في النطق باللغة، ووصل إلى أن البلاغة في اللغة كنص وقول، والفصاحة في اللسان كنطق، والنص القرآني نص بليغ، والرسول ] الذي قام بتلاوته صاحب لسان فصيح.
وتطرق المؤلف لمفهوم الترادف في اللغة، وأثبت أن المفهوم قد تم استخدامه بصورة مشوهة في الثقافة العربية؛ لدرجة أنه قد تم إنكار الترادف كردة فعل لهذا الاستخدام الخاطئ.
وأثبت أن الترادف من ردف الشيء بالشيء لوجود علاقة بينهما، والكون قائم على هذا القانون نحو ترادف المجموعة الشمسية مع بعضها والحفاظ على تغيرها عن بعضها، وانعكس ذلك على اللغة كونها مرآة للوجود، فظهر الترادف فيها من خلال إلحاق الكلمات المتعلقة ببعضها مع بعض في حقل وخندق واحد مع الحفاظ على الاختلاف والتغاير في مدلولهما في الواقع، ليصل إلى القاعدة التي تقول: "إذا اختلف المبنى على صعيد الكلمة أو الجملة، اختلف المعنى ضرورة، وأي زيادة أو نقصان أو تقديم أو تأخير في المبنى يؤثر على المعنى".
وطالب المؤلف بتصحيح مفهوم الترادف وعدم رفضه وتسمية الأشياء بمسمياتها ورفض فكرة "أن تغير الكلمات لا يؤدي إلى تغير المعنى"، وطالب بعدم تسمية هذا المفهوم بالترادف لأنه غير صحيح ومجانب للصواب.
وتطرق المؤلف للتفريق بين مجموعة كلمات مترادفة كنموذج عملي للدراسة، فتناول: جاء وأتى وحضر، وتلا وقرأ، وأراد وشاء. وانتقل إلى بحث التضاد في اللغة، وذكر أن ظاهرة التضاد في اللغة ظاهرة علمية انعكست من جراء قيام الواقع على قانون الثنائية والزوجية، وذكر أن التضاد في اللغة ظهر بصور متعددة:
الأولى: أن يكمن الضد في مقلوب الكلمة نفسها كمبنى؛ مثل: (كتب، بتك)، (در، رد)، (قلع، علق).
الثانية: التضاد العرفي؛ وهي ظاهرة اجتماعية، وتكون في المتناقضات مثل: العدل ونقيضه الظلم، والخير ونقيضه الشر.
الثالثة: التضاد في صور الكلمة الواحدة حين إسقاطها على الواقع، مثل: (وراء) تدل على جهة الأمام والخلف، و(ظن) تدل على اليقين والشك، و(عسّ ) تدل على الإقبال والإدبار، وخلص إلى أن القرآن حجة على المعاجم اللغوية، والتلاوة للنص القرآني ثابتة، أما القراءة له فمتحركة، وبمعنى آخر: النزول والصياغة ربانية ثابتة، والقراءة له أفقياً إنسانية متحركة، وعرض مجموعة هامة من القواعد المنهجية الأصولية واللغوية التي ينبغي استخدامها لدراسة القرآن، وتعرض لتأويل نماذج من النصوص القرآنية مثل{والشجرة الملعونة في القرآن}: وصل إلى أن الشجرة هي علاقات اجتماعية؛ والمقصود بها في النص مجتمع اليهود، وتطرق لنقاش وشرح الفرق بين كل من القول والنطق والحديث واللفظ؛ ليصل إلى أن مادة الحديث النبوي ليست كلام الله أو قوله أو حديثه قطعاً، وإنما هي من تأليف النبي قولاً وكلاماً وحديثاً، وليست وحياً من الله أبداً.
وأنهى المؤلف بحثه في دراسة مستفيضة في تصريف كلمة (نسيء)، وذكر أن كلمة (نساء) جمع (نسيء)، وجمع كلمة (امرأة)، وبالتالي فالنص القرآني استخدم الدلالتين، ويظهر ذلك من خلال سياق الآيات وإسقاطها على الواقع.
وذكر أخيراً أن من أسباب تخلف المسلمين عن ركب النهضة والحضارة هو غياب المنهج الصحيح لفهم النص القرآني المرتبط بالأدوات المعرفية لكل مجتمع، واعتماد العلماء على النقل دون العقل، ودراسة السند للأخبار دون المتن، ودراسة المتن دون محله من الخطاب.
و كم من عائبٍ قولاً صحيحاً * وآفته من الفهم السقيمُ
لتحميل الكتاب: اضغط هنا
0 التعليقات:
إرسال تعليق