تتصدي هذه الموسوعة ( موسوعة النظرية الثقافية المفاهيم والمصطلحات الأساسية) لتوضيح المعني والفارق بين الكلمتين, طارحة معها عبر صفحاتها مصطلحات ومفاهيم ومداخل ثقافية مختلفة في شتي ميادين المعرفة والفكر.. الطبعة الأولي من هذا المجلد الموسوعي( صدرت عام 2008) اشتملت علي نحو 340 مفهوما ومصطلحا هي الأهم والأكثر تداولا في إطار النظرية الثقافية المعاصرة.. أما الطبعة الثانية والتي بين أيدينا فقد استحدثت نحو26 مدخلا جديدا تتضمن آفاقا فكرية واجتماعية وسياسية واقتصادية علي الصعيد العالمي, ويمكن القول كما يؤكد لنا محمد الجوهر الذي قدم للموسوعة إن هذه الاضافات من ثمار مستجدات العولمة..
والنظرية الثقافية مصطلح يطلق علي محاولات عديدة لتصوير وفهم ديناميات الثقافة.. ومن الناحية التاريخية فهو يتضمن أيضا الجدل حول العلاقة بين الثقافة والطبيعة.. وبين الثقافة العليا والثقافة الدنيا, والتداخل بين التراث الثقافي من ناحية والاختلاف والتنوع الثقافي من ناحية أخري, وقد عرفت النظرية الثقافية أيضا بارتباطها بمفاهيم وتصورات غالبا ما تغطي جوانب ذات صلة بفكرة الثقافة نفسها, ومن بين هذه المفاهيم مفهوم الايديولوجيا ومفهوم الوعي..
أما الدراسات الثقافية فهي بمثابة ميدان جديد سريع النمو من ميادين البحث الأكاديمي, يدرس في بعض الأحيان كتخصص مستقل في بعض الجامعات والمعاهد العليا, وهو يقع علي تخوم عدد من العلوم الاجتماعية( خاصة علم الاجتماع) والإنسانية( خاصة الأدب), كما يهتم ميدان الدراسات الثقافية أساسا بدراسة طبيعة الثقافة الجماهيرية ومنتجات الصناعات الثقافية ودراسة الاتصال والمجتمع الاستهلاكي..
وموسوعة النظرية الثقافية كما يؤكد المحرران أندرو ادجار وبيتر سيد جويك تسعي الي أن تقدم عرضا شاملا لا ينحاز لتوجه علي حساب الآخر, كما تسعي لتناول الأفكار التي لها صلة واضحة بدراسة الثقافة, فهي مجال خصب وشامل يتضمن في جنباته ألوانا وأشكالا من الثقافة والفكر, هناك علي سبيل المثال علم الاجتماع الثقافي والمعرفي و(سوسيولوجيا) الحياة اليومية والأنثربولوجيا الثقافية وعلوم اللغة والتحليل النفسي, بل وعلم الاقتصاد أيضا.. فهي إذن تجمع في طياتها علوما مختلفة قريبة الصلة بمفهوم( الثقافة) بشكله الواسع وأفقه الرحب..
نحن إذن أمام عمل جاد وشامل..
عمل تصدي لانجازه نخبة من المفكرين والباحثين أخذوا علي عاتقهم مهمة تعريف القاريء بالمصطلحات والمفاهيم الثقافية المختلفة.. عملوا معا بروح الفريق المتكامل, لينجز كل واحد منهم جزئية وفق تخصصه ودراسته.. هادفين الي دفع العمل الفكري واثراء النقاش العام حول قضية النظرية الثقافية. والموسوعة مرتبة موادها ومداخلها حسب الترتيب الهجائي العربي, وهي تعد بحق اضافة وانجازا عظيما تزهو به المكتبة العربية المتعطشة لهذه الألوان من الأعمال..
وهذا النوع من الترجمات يعكس معه جهدا كبيرا وعملا متواصلا ومثابرة ودأبا ونفسا طويلا, والأهم من ذلك كله الاحساس بالمسئولية الواقعة علي كاهل المترجم من ناحية, وكاهل دور النشر من ناحية أخري التي تصدت لترجمة القواميس والموسوعات المهمة والتي تساعد معها القارئ علي اللحاق بركب التطور العلمي والثقافي في شتي فروع المعرفة.
ينبغي هنا أن نشير للدور المهم الحيوي الذي يقوم به المركز القومي للترجمة الذي أخذ علي عاتقه مسئولية الترجمة من اللغة الأم الي اللغة العربية لتكون ترجمة دقيقة وصادقة, فضلا عن تنوع اختياراته( أعمال أدبية اجتماعية علمية روائية موسوعات..الخ), وهذا في حد ذاته يعكس رؤية شاملة ومتكاملة لأهمية دور الترجمة في دفع الثقافات وتدعيم العلاقات بين الشعوب والبلدان وفي تطوير الرؤي ووجهات النظر.
ونشير هنا علي وجه الخصوص الي شخصية المترجم الذي يتصدي لهذه النوعية من الترجمات.. فمترجم القواميس والموسوعات والمعاجم, يبدو لي مثل الجندي المجهول الذي يضحي بنفسه في سبيل الجموع.. في سبيل الصالح العام.. ربما لن يري ثمرة ما قام به هكذا مباشرة, أمام عينيه, إلا أن عمله يكتسب أهمية علي مدي الزمان ومضي السنوات, إذ أنه يؤصل معه للفكر الثقافي, ويسهم في تنشئة أجيال جديدة, ويدعم معه بنيتها الفكرية..
ومثل هذه النوعية من الترجمات تحتاج الي من يملك بصيرة عميقة ورؤية واضحة ونفسا متسامحة تسعي الي الخير والمنفعة العامة لصالح الإنسانية جمعاء..
مراجعة وتقديم محمد الجوهري, تعريب د. هناء الجوهري أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة والخبيرة الدولية في التنمية الاجتماعية, صادرة عن المركز القومي للترجمة.
الأهرام اليومي : 05 - 05 - 2010
***********************************
رابط للقراءة المباشرة
0 التعليقات:
إرسال تعليق