تمثل النظم السياسية العربية محور هذا الكتاب؛ حيث يعني بتأصيل مفهومها، وعرض المناهج والاقترابات التي تستخدم في دراستها، وتحليل الخصائص المميزة لها والتصنيفات التي تنتظم فيها، والبيئة التي تعقل داخلها بكل عناصر هذه البيئة من جغرافية وتاريخية واجتماعية واقتصادية وثقافية، والإطار الدستوري والقانون الحاكم لها، وديناميات التفاعل بين مكونات عقليتها السياسية، هذا فضلاً عن استشراف آفاق تطورها من حيث عناصر الاستمرار والتغيير ونحن في مستهل ألفية جديدة. ومن دون الدخول في تفاصيل الجدل النظري الذي يثور حول تعريف النظام السياسي، فإن ما يعنينا في هذا المقام هو التأكيد على مجموعة الملاحظات التالية: أولاً: إن مفهوم "النظام السياسي" يختلف عن مفهوم "الدولة"، لأن الأول لا يعدو أن يكون مفهومًا تحليليًا يستخدم لفهم ظاهرة معينة ولا يعرف له وجود مادي في الواقع. بيد أن الدولة تعد هي الوحدة القانونية المستقلة ذات السيادة التي تملك صلاحية الإرغام المادي المشروع وأدواته على الصعيد الداخلي، كما تملك الشخصية القانونية التي تكسبها أهلية أن تكون مخاطبة بأحكام القانون الدولي العام على الصعيد الخارجي.
ثانيًا: إن مفهوم "النظام السياسي" يعتمد وجوده على نمط مستمر من التفاعلات والعلاقات الإنسانية، بينما يتطلب وجود "الدولة" عناصر أخرى كالإقليم والشعب والسيادة. وعلى هذا يستطيع الباحث أن يعين حدودًا لأي من الدول العربية لكنه لا يستطيع أن يضع حدودًا لنظمها السياسية. ثالثًا: يترتب على ما سبق أنه لا بد أن يتضمن "النظام السياسي" درجة عالية من الاعتماد المتبادل بين وحداته بحيث إن التغير الذي يطرأ على أي منها يؤثر في باقي الوحدات الأخرى إن سلبًا وإن إيجابًا. رابعًا: يفترض في "النظام السياسي" العمل على حفظ ذاته من خلال مؤسسات يبنيها، وقواعد يقررها، وممارسات يلتزم بها، وعلاقات يدخل فيها، ووظائف يؤديها. تتمثل وظائف المدخلات وفقًا للاقتراب الوظيفي في كل من التنشئة السياسية، والاتصال السياسي، وتجميع المصالح والتعبير عنها. بينما تتمثل وظائف المخرجات في صنع القواعد القانونية، وتنفيذها، والتقاضي بموجبها. وفي هذا السياق حدد غابريل ألموند الغاية النهائية لوظائف النظام بشقيها في التكيف مع البيئة وتحقيق الاستقرار. خامسًا: إن كون "النظام السياسي" تميزه مجموعة من التفاعلات والعلاقات الارتباطية التي تختلف عن غيرها من التفاعلات والعلاقات، فإن هذا لا يعني أن "النظام السياسي" يوجد في فراغ إنما يحيا في بيئة داخلية يؤثر فيها ويتأثر بها. فالواقع الاجتماعي لا يعرف الفصل القاطع بين "النظام السياسي" والنظامين الاقتصادي والثقافي، لكن الباحث يلجأ إلى هذا الفصل لتسهيل مهمة البحث وتحديد إطار الظاهرة والكشف عن متغيراتها والتفاعلات القائمة بينها.إضغط هنا للتحميل |
0 التعليقات:
إرسال تعليق