للمسعودي كتابان جليلان في التاريخ، ظهر أولهما "مروج الذهب" في عدة طبعات تداولها أكثر علماء الجيل، فعرفوا من المسعودي عالماً جليلاً، فلكياً، حاسباً، منجماً، جغرافياً، أخبارياً، فقيهاً، محدثاً، جدلياً، مؤرخاً، نسابة، فيلسوفاً، أديباً، راوية. وأنه كان ملمّاً بعدة لغات، وكان ذا حظ وافر من الثقافات التي انتهى إليها علم الانسان، منذ بدأ الله الخلق إلى عصره. وظهر ثانيهما، وهو "التنبيه والإشراف" في طبعة واحدة قبيل نهاية القرن التاسع بسبع عشرة سنة في مطبعة بريل بمدينة ليون بهولندة،ضمن المكتبة الجغرافية. وكتاب "أخبار الزمان" هذا، ثالث كتاب يبرزه عالم الطبع من مؤلفات ذلك الإمام الكبير. وقد يلاحظ من يقرأ كتاب "مروج الذهب" أو كتاب "التنبيه والإشراف" أن المسعودي أكثر من الثناء عليه، وأحال عليه في مواضع كثيرة، وأنه أوفر كتاب من كتب التاريخ، وأوسع المراجع العلمية الإسلامية التي وضعت في أواسط العصر العباسي. ويظهر أن المسعودي ضمنه كل ثروته العلمية، إذ هو أول ما ألف من كتب، ثم راعته ضخامة الكتاب، فعمد إلى اختصاره عدة مرات، ثم عمد إلى تلك الثروة العلمية الهائلة فبعثرها في كتبه، وفرقها بين مصنفاته، تفرقة عادلة، وقسمة مرضية، راعى فيها أن يكون في كل مؤلف منها ما يحببه إلى القراء، ويرفع قدره ويسني منزلته بين العلماء. والكتاب فيه أشياء غريبة وأخبار طريفة تفيد كثيراً في معرفة التاريخ القديم بوجه عام، والمصريين بوجه خاص. وسيجد القارئ فيه لذة لا تعادلها لذة، وسيمضي في قراءته دون كد ولا ملل، وسيعاود قراءته بعد ذلك مرات، وهو بلا ريب منته إلى إحدى ثمرتين: الأولى: أن الإنسان في ما مضى وانصرم من الأجيال كان أقدر منه في هذه الحياة العصرية، وأن السحر والكهانة لعبا دوراً كبيراً في غابر الأحقاب، وأن القدماء وصلوا في العلم بها إلى غاية تتقاصر دونها أقصى الغايات. الثمرة الثانية: أن قدماء المؤرخين كانوا ذوي خيال واسع، قصاصين بارعين قادرين على أن يجسموا الخيال، ويلبسوه ثوباً من الحقيقة محكم النسج، وسيقف القراء منه على أن ما بلغه المصريون من الصناعة وعمارة الأرض، والفنون والعلوم والحكمة والبصر بالكيمياء لم تبلغه أمة من الأمم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق