لا شك أن التصوف بوجه عام والطرق الصوفية بشكل خاص،كان لها تأثير كبير علي الثقافة الشعبية والفنون في الجزائر والمغرب العربي أو المنطقة المغاربية عمومًا، وقد توسّلت المرجعيات الصوفية من الزهاد والعارفين وشيوخ الطرق، منذ وقت مبكر بالفنون والثقافة الشعبية لتقوم بوظيفتها في نشر و تجذير خطابها الديني والروحي والاجتماعي وحتي السياسي أحيانًا في الطبقات السفلي من المجتمع (البسطاء والفقراء) التي شكّلت الخزّان الذي لا ينضب والمحرّك الأقوي لدواليب الحركة الصوفية من خلال تركيز شيوخ الطرق عليها والتصاقهم بها في اليومي المعيش وحتّي في الشعار الذي اختاروه لأنفسهم وتسموا به (الفقراء)، والدليل علي عمق التأثير الصوفي في الفنون و الثقافة الشعبية الجزائرية، أننا ما نزال إلي اليوم نجد في لغتنا العامية كلمات وتعابير من أمثال ( بابانا، بابا سيدنا، مول الزمان، مول الساعة، مول السر، مول الحال، الوالي، القبة، الديوان، الحضرة، القناوية..الخ).
المدرسة العيساوية كطابع فني صوفي متميز
لعل قوة تأثير المدرسة الفنية العيساوية ترجع إلي تواجد الطريقة العيساوية علي رقعة واسعة من التراب الوطني الجزائري والمنطقة المغاربية. ففي الجزائر تتواجد الطريقة العيساوية في العديد من المناطق نذكر منها: القل، قسنطينة، عنابة، سوق أهراس، بجاية، تيزي وزو، المسيلة، برج بو عريريج ، بشار، القنادسة، أدرار، تيقزمير، وهران، مستغانم، تلمسان، عين تموشنت، بني صاف وندرومة التي تحتضن الزاوية العيساوية المركزية بولهاصة.
وهناك أمر آخر زاد من قوة تأثير هذه المدرسة الفنية، وهو القدرات الكبيرة التي يتميز بها شاعر الشيخ بن عيسي (مؤسّس الطريقة العيساوية) مولاي إدريس بن دريس، صاحب أغلب إن لم نقل كل القصائد التي تتغني بها الطريقة العيساوية شرقا وغربا. وقد كان الشاعر مولاي ادريس بن دريس ينظم الشعر الملحون الغرامي كما الشعراء العاديين ، ثم فتح الله بصيرته بالتعرف علي الطريقة العيساوية ليتحول بعد ذلك إلي مدح الشيخ بن عيسي حصريا.وكانت أول قصيدة قالها بعد توبته مطلعها:
نستفتح باسم الغاني
رب الأرض رب السما الحق المعين
من صورني وهداني
وكرمني بالملة الطاهرة واليقين
وبثوب الفضل كساني
ورشدني لابواب الرجال المقربين
وطلق للنظم لساني
وجعلني مداح الرسول والصالحين
آبن عيسي سلطاني
الغارة لله يا إمام الزائرين .
ففي الغرب الجزائري والمغرب الأقصي يتغني العيساوة غالبا بأشعار مولاي ادريس بن دريس ، أو قصائد الشعراء الصوفيين الجزائريين من أمثال سيدي لخضر بن خلوف وغيره، أو حتي بقصائد الشعراء غير الصوفيين الذين نظموا في المديح الديني.
أما في الشرق الجزائري فإن أصل المدرسة الفنية العيساوية يرجع من الناحية التاريخية إلي الطريقة (الحنصالية) التي أسسها الشيخ يوسف الحنصالي (أصله من ضواحي قسنطينة) الذي اشتهر أمره في عهد البايات المتأخرين حتي كانت داره ملجأً لا يمسه أحد بسوء. والظاهر أن الطريقة الحنصالية لم يكتب لها الانتشار الواسع كغيرها من الطرق، ولا شك أن للحنصالية علاقة وطيدة بالشاذلية والخلوتية (الرحمانية). ومن أشهر رجال الطريقة الحنصالية الشيخ أحمد الزواوي الذي عاصر صالح باي، وقاد ثورة ضده، ثم أخذ عنه الطريقة بعض علماء قسنطينة من أمثال الشيخ أحمد المبارك الذي تولي التدريس والفتوي بهذه المدينة وترك بعض التآليف. وقد قيل إن عائلة المبارك (المعروفة أيضا باسم عائلة العطار) أصبحت كلها حنصالية. ويبدو أن الطريقة الحنصالية لم تكن علي علاقة طيبة مع العثمانيين، فبالإضافة إلي ثورة أحمد الزواوي ضد صالح باي، وجدنا أبا القاسم الرحموني الحداد يعرّض في شعره بسوء الأحوال السياسية والاقتصادية في عهده.
أما من الناحية الفنية الشكلية فقد ظهر الطابع العيساوي أول مرة في الزاوية الحنصالية عندما خشي شيوخ هذه الزاوية علي ضياع قصائدهم وأشعارهم فقاموا بتلحينها وغنائها علي طبوع المالوف . وقد كان أول من قام بذلك هو السي احمد بسطانجي (قصّاد أو شيخ عْمَلْ) حيث ركّب صنائع المالوف من نوبة وغيرها علي كلام وقصائد حنصالة (الطريقة الحنصالية)، وهكذا أصبحت قصيدة (ظالمة) في المالوف هي (الشاذلية) في عيساوة أو حنصالة، فأخذوا لحن (ظالمة) وركّبوا عليه كلمات الشاذلية. وقد كان أهل المالوف يأتون إلي الزاوية الحنصالية ليأخذوا (الصنايع) أي العديد من الألحان التي فقدوها مع مرور الزمن وقلة التعليم، علي خلاف الطرق الصوفية التي يعتبر التعليم عندها ونقل الثقافة و الاستمرارية، من الأمور ذات الأهمية القصوي.
وفي الجانب الاصطلاحي الفني نجد أن العيساوة ـ في الشرق الجزائري ـ عندما يتحدثون عن المالوف يسمونه (الرياض) وفي المقابل يطلق أصحاب الصنعة علي المديح الديني اسم (المحجوز) عندما يؤدّونه بآلاتهم الموسيقية. وتقتصر المدرسة العيساوية الصوفية في أدائها الفني علي الآلات الإيقاعية المعروفة (البندير والدربوكة والطار و النغرات) إضافة إلي المزمار (الغايطة).ومن المعروف في هذا الصدد أن أصحاب الصنعة في مجال النوبة يغنون كلمات لشعراء أو مؤلفين مجهولين في الغالب، أما (المدحة) التي تغني في الطابع العيساوي أو في (المحجوز) فهي لشعراء معروفين ترد أسماؤهم في أواخر القصائد (بيت السلام).
وفي منطقة عنابة تعتمد المدرسة العيساوية أساسا علي آلة البندير أما في الغرب الجزائري فتعتمد علي الآلات الإيقاعية المختلفة حيث يغني العيساوة هناك غالبا علي إيقاع الراي (وقد تكون إيقاعات الراي مأخوذة من الطابع العيساوي). ويلاحظ علي المدرسة العيساوية في منطقة الغرب الجزائري ميلها عموما إلي الطبوع المغربية،حتي وإن كانت تأخذ أيضا من الطبوع الشعبية المتجذرة في مستغانم علي الخصوص.
أما في قسنطينة فإن المدرسة العيساوية تعتمد علي الطبوع الأندلسية (المالوف) إضافة إلي التنوع الملاحظ في الآلات التي تستعملها. وهناك في الشرق كما في الغرب الجزائري مدارس فنية عيساوية جديدة، أصبحت تدخل الآلات الموسيقية الأخري علي أدائها مثل الكمان والعود وحتي علبة الإيقاعات الغربية boite a rythme لكن تلك المدارس ليست لها علاقة في الغالب بالطريقة الصوفية العيساوية ولا هي ملتزمة بها دينيا حتي و إن كانت تؤدي اللون الفني العيساوي، ومن هنا يمكن اعتبارها فرقا فلكلورية.
الفرق الفنية العيساوية في الشرق الجزائري
في الزمن القديم بقسنطينة كانت الحفلات العيساوية تقام في مناسبات الختان واليوم السابع للمولود. أما ليلة الزفاف فكان يقام فيها المالوف . هذه العادة تغيرت اليوم حيث أصبحت حفلات العيساوة تقام حتي في ليلة الزفاف. ومن أشهر الفرق الفنية الفلكلورية العيساوية يمكن أن نذكر:
- زين الدين بن عبد الله (قسنطينة)
- منصف بن وهيبة (عنابة)
لكن الفرق الفلكلورية تؤدي الفن العيساوي دون أن تنطلق من الزاوية وهذا غير مقبول علي مستوي الطريقة التي ينقل أتباعها عن الشيخ أحمد بن عيسي قوله وتأكيده من خلال عبارته المشهورة : حزبي ثم وردي ثم حضرتي ..
ولم تهمل المدرسة الفنية العيساوية فضاءات المرأة حيث أنشأت ما يعرف بـ(الفقيرات) وهن عبارة عن جوق نسائية تغني المديح الديني للنساء، وتدور كلماتهن غالبا حول الله والرسول والأولياء والصالحين، ويعتمدن أساسا علي الدف والدربوكة والطار. ومن أشهر أجواق (الفقيرات) في قسنطينة :
ـ جوق دار بلفرطاس
ـ جوق دار السبيطار
ـ جوق نجمة
ـ جوق فقيرات مالك (الذي ينشط بفرنسا أيضا).
ـ جوق زلوخة الفرقانية (والدة زين الدين بوشعالة وهي الأخت التوأم للحاج محمد الطاهر الفرقاني).
أما الأجواق النسائية الأخري في قسنطينة والشرق عموما فتسمي (البنوتات) وهي أجواق نسائية تغني للنساء في طبوع المالوف وبمحتوي ليس بالضرورة دينيا أو صوفيا، وهن يستعملن جميع الآلات الموسيقية المستعملة في المالوف. ومن أشهر هذه الأجواق في قسنطينة:
ـ جوق الزهور الفرقاني (شقيقة الحاج محمد الطاهر الفرقاني).
ـ جوق فلة الفرقاني ( ابنة أخ الحاج محمد الطاهر الفرقاني).
وهناك أيضا ما يعرف بـ (الوصفان) فهي فرق تؤدي ما يشبه (القناوي) أو (الديوان). وأشهر هذه الفرق بقسنطينة :
ـ جوق دار البحري
ـ جوق دار هَوْصَة
ـ جوق دار بَرْنو
كما توجد فرق أخري في مجال فن الوصفان أو ما يعرف أيضا بـ الديوان في أغلب المناطق الجزائرية.
وهناك أمر آخر زاد من قوة تأثير هذه المدرسة الفنية، وهو القدرات الكبيرة التي يتميز بها شاعر الشيخ بن عيسي (مؤسّس الطريقة العيساوية) مولاي إدريس بن دريس، صاحب أغلب إن لم نقل كل القصائد التي تتغني بها الطريقة العيساوية شرقا وغربا. وقد كان الشاعر مولاي ادريس بن دريس ينظم الشعر الملحون الغرامي كما الشعراء العاديين ، ثم فتح الله بصيرته بالتعرف علي الطريقة العيساوية ليتحول بعد ذلك إلي مدح الشيخ بن عيسي حصريا.وكانت أول قصيدة قالها بعد توبته مطلعها:
نستفتح باسم الغاني
رب الأرض رب السما الحق المعين
من صورني وهداني
وكرمني بالملة الطاهرة واليقين
وبثوب الفضل كساني
ورشدني لابواب الرجال المقربين
وطلق للنظم لساني
وجعلني مداح الرسول والصالحين
آبن عيسي سلطاني
الغارة لله يا إمام الزائرين .
ففي الغرب الجزائري والمغرب الأقصي يتغني العيساوة غالبا بأشعار مولاي ادريس بن دريس ، أو قصائد الشعراء الصوفيين الجزائريين من أمثال سيدي لخضر بن خلوف وغيره، أو حتي بقصائد الشعراء غير الصوفيين الذين نظموا في المديح الديني.
أما في الشرق الجزائري فإن أصل المدرسة الفنية العيساوية يرجع من الناحية التاريخية إلي الطريقة (الحنصالية) التي أسسها الشيخ يوسف الحنصالي (أصله من ضواحي قسنطينة) الذي اشتهر أمره في عهد البايات المتأخرين حتي كانت داره ملجأً لا يمسه أحد بسوء. والظاهر أن الطريقة الحنصالية لم يكتب لها الانتشار الواسع كغيرها من الطرق، ولا شك أن للحنصالية علاقة وطيدة بالشاذلية والخلوتية (الرحمانية). ومن أشهر رجال الطريقة الحنصالية الشيخ أحمد الزواوي الذي عاصر صالح باي، وقاد ثورة ضده، ثم أخذ عنه الطريقة بعض علماء قسنطينة من أمثال الشيخ أحمد المبارك الذي تولي التدريس والفتوي بهذه المدينة وترك بعض التآليف. وقد قيل إن عائلة المبارك (المعروفة أيضا باسم عائلة العطار) أصبحت كلها حنصالية. ويبدو أن الطريقة الحنصالية لم تكن علي علاقة طيبة مع العثمانيين، فبالإضافة إلي ثورة أحمد الزواوي ضد صالح باي، وجدنا أبا القاسم الرحموني الحداد يعرّض في شعره بسوء الأحوال السياسية والاقتصادية في عهده.
أما من الناحية الفنية الشكلية فقد ظهر الطابع العيساوي أول مرة في الزاوية الحنصالية عندما خشي شيوخ هذه الزاوية علي ضياع قصائدهم وأشعارهم فقاموا بتلحينها وغنائها علي طبوع المالوف . وقد كان أول من قام بذلك هو السي احمد بسطانجي (قصّاد أو شيخ عْمَلْ) حيث ركّب صنائع المالوف من نوبة وغيرها علي كلام وقصائد حنصالة (الطريقة الحنصالية)، وهكذا أصبحت قصيدة (ظالمة) في المالوف هي (الشاذلية) في عيساوة أو حنصالة، فأخذوا لحن (ظالمة) وركّبوا عليه كلمات الشاذلية. وقد كان أهل المالوف يأتون إلي الزاوية الحنصالية ليأخذوا (الصنايع) أي العديد من الألحان التي فقدوها مع مرور الزمن وقلة التعليم، علي خلاف الطرق الصوفية التي يعتبر التعليم عندها ونقل الثقافة و الاستمرارية، من الأمور ذات الأهمية القصوي.
وفي الجانب الاصطلاحي الفني نجد أن العيساوة ـ في الشرق الجزائري ـ عندما يتحدثون عن المالوف يسمونه (الرياض) وفي المقابل يطلق أصحاب الصنعة علي المديح الديني اسم (المحجوز) عندما يؤدّونه بآلاتهم الموسيقية. وتقتصر المدرسة العيساوية الصوفية في أدائها الفني علي الآلات الإيقاعية المعروفة (البندير والدربوكة والطار و النغرات) إضافة إلي المزمار (الغايطة).ومن المعروف في هذا الصدد أن أصحاب الصنعة في مجال النوبة يغنون كلمات لشعراء أو مؤلفين مجهولين في الغالب، أما (المدحة) التي تغني في الطابع العيساوي أو في (المحجوز) فهي لشعراء معروفين ترد أسماؤهم في أواخر القصائد (بيت السلام).
وفي منطقة عنابة تعتمد المدرسة العيساوية أساسا علي آلة البندير أما في الغرب الجزائري فتعتمد علي الآلات الإيقاعية المختلفة حيث يغني العيساوة هناك غالبا علي إيقاع الراي (وقد تكون إيقاعات الراي مأخوذة من الطابع العيساوي). ويلاحظ علي المدرسة العيساوية في منطقة الغرب الجزائري ميلها عموما إلي الطبوع المغربية،حتي وإن كانت تأخذ أيضا من الطبوع الشعبية المتجذرة في مستغانم علي الخصوص.
أما في قسنطينة فإن المدرسة العيساوية تعتمد علي الطبوع الأندلسية (المالوف) إضافة إلي التنوع الملاحظ في الآلات التي تستعملها. وهناك في الشرق كما في الغرب الجزائري مدارس فنية عيساوية جديدة، أصبحت تدخل الآلات الموسيقية الأخري علي أدائها مثل الكمان والعود وحتي علبة الإيقاعات الغربية boite a rythme لكن تلك المدارس ليست لها علاقة في الغالب بالطريقة الصوفية العيساوية ولا هي ملتزمة بها دينيا حتي و إن كانت تؤدي اللون الفني العيساوي، ومن هنا يمكن اعتبارها فرقا فلكلورية.
الفرق الفنية العيساوية في الشرق الجزائري
في الزمن القديم بقسنطينة كانت الحفلات العيساوية تقام في مناسبات الختان واليوم السابع للمولود. أما ليلة الزفاف فكان يقام فيها المالوف . هذه العادة تغيرت اليوم حيث أصبحت حفلات العيساوة تقام حتي في ليلة الزفاف. ومن أشهر الفرق الفنية الفلكلورية العيساوية يمكن أن نذكر:
- زين الدين بن عبد الله (قسنطينة)
- منصف بن وهيبة (عنابة)
لكن الفرق الفلكلورية تؤدي الفن العيساوي دون أن تنطلق من الزاوية وهذا غير مقبول علي مستوي الطريقة التي ينقل أتباعها عن الشيخ أحمد بن عيسي قوله وتأكيده من خلال عبارته المشهورة : حزبي ثم وردي ثم حضرتي ..
ولم تهمل المدرسة الفنية العيساوية فضاءات المرأة حيث أنشأت ما يعرف بـ(الفقيرات) وهن عبارة عن جوق نسائية تغني المديح الديني للنساء، وتدور كلماتهن غالبا حول الله والرسول والأولياء والصالحين، ويعتمدن أساسا علي الدف والدربوكة والطار. ومن أشهر أجواق (الفقيرات) في قسنطينة :
ـ جوق دار بلفرطاس
ـ جوق دار السبيطار
ـ جوق نجمة
ـ جوق فقيرات مالك (الذي ينشط بفرنسا أيضا).
ـ جوق زلوخة الفرقانية (والدة زين الدين بوشعالة وهي الأخت التوأم للحاج محمد الطاهر الفرقاني).
أما الأجواق النسائية الأخري في قسنطينة والشرق عموما فتسمي (البنوتات) وهي أجواق نسائية تغني للنساء في طبوع المالوف وبمحتوي ليس بالضرورة دينيا أو صوفيا، وهن يستعملن جميع الآلات الموسيقية المستعملة في المالوف. ومن أشهر هذه الأجواق في قسنطينة:
ـ جوق الزهور الفرقاني (شقيقة الحاج محمد الطاهر الفرقاني).
ـ جوق فلة الفرقاني ( ابنة أخ الحاج محمد الطاهر الفرقاني).
وهناك أيضا ما يعرف بـ (الوصفان) فهي فرق تؤدي ما يشبه (القناوي) أو (الديوان). وأشهر هذه الفرق بقسنطينة :
ـ جوق دار البحري
ـ جوق دار هَوْصَة
ـ جوق دار بَرْنو
كما توجد فرق أخري في مجال فن الوصفان أو ما يعرف أيضا بـ الديوان في أغلب المناطق الجزائرية.
مدرسة (قناوة) أو (الديوان) في التراث الصوفي
إن المعلومات التي نملكها عن هذه المدرسة قليلة جدًّا. ومن ألسنة المتجذّرين فيها من خلال الممارسة الطويلة يمكن القول إن البعض ينسب مدرسة (قناوة) إلي غينيا. أمّا الطريقة التي تنتسب إليها فهي طريقة (سيدي بلال) القادمة من منطقة ما كان يعرف قديما بـالسودان الكبير Le Grand Soudan أمّا حضرتهم فهي التي يطلقون عليها اسم (الديوان) ولها طقوس عديدة وتعتمد علي آلات: القمبري ، والطبل (الطامطام) والقرقابو. ويتقدم طريقة سيدي بلال اليوم بمستغانم سيدي الحاج عبد الهادي بن والي (مقدّم قناوة في مستغانم وزعيمهم الروحي)، ومقره بـالحي العتيق تيجديت. وهذا الموضوع يحتاج إلي بحث مستقل وموسع.
الغناء والشعر الصوفي بمنطقة القبائل
تجذّرت عدّة طرق صوفية بمنطقة القبائل منذ قرون طويلة، ونتيجة لذلك ظهرت العديد من المدارس الشعرية والفنية التي تؤدي (الحضرة الصوفية) بمضامين شعرية تحمل قيما روحية ما تزال حية معبرة عن أصالة الأولياء والصالحين، وأهمية التقوي والصفاء الروحي الداخلي الذي يمثّله الرسول عليه الصلاة والسلام بوصفه النموذج الأعلي للممارسة الدينية والروحية الإسلامية.
ويلاحظ علي الأشعار الصوفية القبائلية أن ثلث كلماتها ذو أصل عربي. وقد تميّزت منطقة القبائل منذ القديم بالتّواجد المكثّف للمرابطين (المقصود بهم الأشراف ذوو الثقافة الدينية و الصوفية) الذين نشروا تعليم القرآن في الكتاتيب و الزوايا التي نشأ وتعلّم فيها العديد من فحول شعراء المنطقة، من امثال الولي الصالح الشيخ محند ولحسين، والشيخ الحاج أسعيذ مجدّد الشعر الديني بمنطقة القبائل والذي تعلّم في زاوية سيدي منصور، وكرّس شعره بعد ذلك للوعظ والإرشاد وتدعيم قيم التضامن والتآزر ومدح الرسول عليه السلام و أولياء الله الصالحين، ومن شعره قوله مترجمًا إلي العربية:
صلّوا علي النبي
مرارًا وتكرارًا
أحبّه الله و أعطاه
فردوس وادي الكوثر
نترجّي شفاعته
رغم ذنوبنا
يا رسول محمد الأنيس
شريف بني طالب
حباك الله بجماله
وبلّغ لك المراد
وقرن اسمك به
المدوّن في عرش الرحمن
فاز من آمن به
وتعلّم وتأدّب
الصلاة علي محمّد المدني
محمّد سيد الرجال
الهاشمي العدناني
بنوره فاق الهلال.
وعن الأولياء والصالحين يقول الشاعر الحاج أسعيذ :
في زمن (الإخوان) الأتقياء
إن ذكروا الله وجلت قلوب المؤمنين
أيّام الولي الشيخ بن صالح
والمرحوم بن سحنون
أصلحوا الطالح فصار صالحًا
يزرعون الخير دون تقتير
الشيخ أعمر أمزيان غوث
هو وابنه محمّد صنوان
في صفّ الأولياء يرعون البلاد
ببركة الله يستظلون
في زمن الأولياء الصالحين
في قلوبهم بصيرة
إنّهم أقطاب الصوفية
منهم الشيخ أجذيذ و الشيخ أعمر
يا أصحاب المراتب السامية
أحفاد الرسول ـ ص ـ
المفاتيح في أياديكم
دعوتكم مستجابة
دعوتكم ودعوت الله
أن ينقشع السحاب عنّا.
ومن الشعر الصوفي القبائلي الذي قيل في مدح الشيخ محند ولحسين، وهو متداول في قرية عشّوبة بمنطقة أزفون بولاية تيزي وزّو:
يا شيخ (محند ولحسين)
يا من تاب في المهد
قصد عين الماء للوضوء
فوجدها مملوءة باللّحم
أيتها العين إني أريد الماء للوضوء
لأزور أولياء الله الصالحين
يا شيخ (محند ولحسين)
يا من تاب في الصغر
قصد عين الماء للوضوء
فوجدها مملوءة بالمال
أيتها العين إني أريد الماء للوضوء
فكل من عليها فان.
ويؤدي الشعر الصوفي ـ بمنطقة القبائل ـ كغناء أو مديح في (الحضرات) والمناسبات الدينية المختلفة، ويخصّ أهل منطقة تفريت بأزفون ـ ولاية تيزي وزو ـ ذكري عاشوراء باحتفال كبير تذبح فيه الذبائح وتقام فيه الحضرة الصوفية التي يحضرها جميع أهل القرية ويأتيها الناس من كل مكان، وما يزال هذا الاحتفال يقام إلي يومنا هذا.
التأثير الصوفي علي الأناشيد والأغاني الانكشارية في الجزائر العثمانية
لقد كان التصوف والطرق الصوفية وراء تقدّم الأتراك العثمانيين في منطقة الأناضول وفتحهم للقسطنطينية، وكانت الطرق الصوفية والتعليم الصوفي هي الروح التي تحرّك الجندي التركي للجهاد والاستماتة فيه. ومن أهم شيوخ الصوفية الذين أشرفوا علي التعليم والتربية الروحية لعناصر الجيش الانكشاري، الحاج بكداش الذي عاش في القرن السابع الهجري وأتباع طريقته المعروفون بالبكداشية. وقد بلغت هذه الطريقة أوجها في عصر السلطان سليمان القانوني وهو العصر الذي دخل فيه العثمانيون العالم العربي والجزائر. وكان رئيس البكداشية آنذاك يسمّي (شلبي) ويقيم في اسطنبول. وكانت لهم مراكز ونظم سرية وعلنية في مختلف أنحاء الدولة العثمانية وخصوصًا في أناضوليا ورومينيا . وقد أصبحت الدولة العثمانية في تلك المرحلة تخشي الطريقة البكداشية التي ساهمت في تأسيس هذه الدولة مساهمة فاعلة، لذلك كان العثمانيون يساندون معها طريقة أخري هي المولوية ـ نسبة إلي مولانا جلال الدين الرومي ـ لتحفظ بها التوازن .
وقد نشأت العلاقة بين التصوف والدولة العثمانية من خلال احتضان الشيخ الحاج بكداش للجيش الانكشاري، حيث انه هو الذي أعطي الجنود اسمهم (انكشارية تعني الجيش الجديد بالتركية) وألبسهم لباسهم المميز، ولم يدخل القرن السادس عشر الميلادي حتّي أصبح البكداشية هم الذين يسيطرون فعلا علي الانكشارية، وهم الذين كانوا يستقبلونهم ويؤاخون بينهم دينيا وعسكريا. وهذه العلاقة الوطيدة بين الصوفية والانكشارية هي التي ستظهر أيضا في الجزائر.
و يذكر الأستاذ قدّور محمصاجي في كتابه (سلطان جزاير) أن عناصر الجيش الانكشاري في الجزائر كانوا يتعلّمون ـ إضافة إلي العلوم العسكرية ـ الكثير من المهن والفنون الأخري ومن بينها الغناء والموسيقي. وقد كان الجنود الماهرون في الموسيقي والغناء يسمّون (العشّاق) وكانوا يؤدّون غالبا الأناشيد والأغاني الصوفية التي أخذوها عن الطريقة البكداشية.
وقد كان جنود الانكشارية من أصول مختلفة، فهم إما من شعوب آسيا الأناضول علي الخصوص وإما من شعوب البلقان المغلوبة، وإما من المرتدين عن المسيحية الذين وان كانوا قد اعتنقوا الإسلام، فإنهم حافظوا علي بقايا العقلية الأوروبية والتقاليد المسيحية كما يقول الدكتور سعد الله. وكان الجندي الانكشاري القادم إلي الجزائر يأتي معه بهذه الثقافة ثم يضيف إليها الثقافة الجزائرية وخصوصا الصوفية منها، حيث كان الانكشارية قبل كل خرجة عسكرية، يزورون الأولياء في العاصمة او في الثغور داعين الله تعالي عندهم بالنصر والظفر علي أعداء البلاد والأمة.
ومن بين الرموز الدالة علي الارتباط الوثيق بين الانكشارية والتصوف في الجزائر، رايتهم التي تحمل رسم (ذو الفقار) وهو سيف الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ورضي عنه، الذي يعتبر بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، قطب الرحي و المحور الذي يدور عليه الأمر كله عند الصوفية.
وقد كان الفنانون من الجنود الانكشارية يتنقّلون في أوقات فراغهم من المشاغل العسكرية ، من مقهي إلي مقهي وفي الأعراس حاملين معهم آلاتهم (الطبل، الكمان،المندولين، وآلات أخري) حيث تدور أغانيهم غالبا حول مواضيع الحب والعشق الصوفي إضافة إلي ذكر أيّامهم الجهادية وحروبهم وانتصاراتهم وأحيانا خيباتهم.
وقد كان الانكشارية أيضا يغنّون عن مدينة الجزائر وأهلها وجمالها وخاصة أولياءها الصالحين من أمثال (الوالي دادة) الذي يوجد ضريحه في قلب العاصمة حيث تـقول كلمات إحدي أغانيهم مترجمة إلي العربية:
من البرج الحديدي تأمّلت قلعة الجزائر الرائعة
الرسل والأنبياء والأولياء يحيطونها من كل جانب
وفي قلب العاصمة، الوالي دادة هو السيد
الجزاير لها حرّاس أمثال عبد القادر وعبد الرحمن الثعالبي.
وقد كانت تكثر في أغاني الانكشارية الكلمات والعبارات الدينية و الصوفية مثل (الله، الرسول، الأنبياء، الصحابة، علي، ذو الفقار، الوالي، مول الساعة، الجهاد، الجنة، الغازي، القطب، الإيمان، الشهيد...)
من خلال ما سبق، يتبين مدي تأثير التصوف عموما والطرق الصوفية خصوصا، علي الفنون والثقافة الشعبية الجزائرية. ولأن المجال لا يسمح بذلك، فإننا لم نتوسع كما ينبغي في دراسة جميع إنتاجات الشعراء الشعبيين وخاصة الجانب الصوفي منها، هذا الجانب الذي تتجذر فيه ثقافتنا الشعبية. والكلام نفسه يمكن قوله عن تأثير التصوف والطرق الصوفية علي الجانب الفني من ثقافتنا، حيث تقف وراء نشأة العديد من المدارس الفنية الجزائرية ومن بينها مدرسة الشعبي التي تعتبر اليوم من أكبر أعمدة التراث الجزائري، ومختلف مدارس المديح الديني المتفرع عن الحضرة الصوفية والتي من بينها المدرسة العيساوية. وبعد، فإن البحث في هذا الجانب الهام من ثقافتنا، يبقي في بداياته الأولي بسبب قلة المصادر والمراجع، وقبل ذلك بسبب عدم تدوين المادة الشعرية والغنائية الخام المتعلقة بهذا الموضوع. ويبقي المجال مفتوحا أمام الباحثين لجمع المادة الخام ودراستها بشكل منهجي علمي، بعيدا عن التأثيرات الأيديولوجية والسياسية المختلفة.
سعيد جاب الخير - كاتب جزائري وباحث في مجال التصوف
المصدر: القدس العربي.
0 التعليقات:
إرسال تعليق