في أكثر من مكان، سواء في لبنان، أو في العالم العربي أو على المستوى الدولي، ثمة سجال يدور حول وضعية النخب الثقافية: أفكارها ومشاريعها، نماذجها وصورها، مكانتها ودورها، مصداقيتها وفاعليتها. هذا ما كان يجري وما زال، خصوصاً في فرنسا حيث ازدهرت مهنة المثقف، بقدر ما هيمنت العقلية النضالية على الساحات الثقافية وعلى المعنيين بشؤون الفكر والمعرفة.
وهكذا لم يختلق الكتاب المشكلة، بقدر ما حاول تشخيص الأزمة في ضوء الوقائع المباغتة. وهذا التشخيص حمل الباحث إعادة النظر في العبرة الفكرية للمثقف، وبالتالي فتح ملف المثقفين أمام النقد والمساءلة. فكان النقد للمثقف هو مدار البحث في هذا الكتاب، ويدور هذا النقد بمجمله على العوائق الأساسية التي تمسك بخناق المثقفين، وتمنع المفكرين من تجديد عالم المفهوم، بأداة أدواته الفعّالة، أو على صعيد من أصعدته المركبة، أو في بُعد من أبعاده المتعددة. والعوائق، كما عالجها الباحث، تتجسد في أوهام خمسة يرتبط كل وهم منها بمفهوم من المفاهيم المتداولة في خطابات المثقفين العرب على وجه الخصوص: الأول هو الوهم الثقافي ويرتبط بمفهوم النخبة. والثاني هو الوهم الأيديولوجي ويرتبط بمفهوم الحرية. والثالث هو الوهم الأناسي ويرتبط بمفهوم الهوية. والرابع هو الوهم الماورائي ويرتبط بمفهوم المطابقة. والخامس هو الوهم الحداثي ويرتبط بمفهوم التنوير. خمسة أوهام تستوطن الذهن وتعرقل عمل الفكر ونشاط الفهم، على ما تكشفت عنه تجربة الباحث الفكرية، وقادته إليه طريقته في ممارسة تفكيره. وهو إذ يسعى إلى تفكيك تلك الأوهام، مارس في الوقت نفسه فاعليته الفكرية، بقدر ما أقام مع فكره علاقة نقدية أتاحت له التفكير بصورة جديدة ومغايرة، أو سبر مناطق لم يجر التفكير فيها والعمل عليها من قبل.
إضغط هنا للتحميل |
0 التعليقات:
إرسال تعليق