محمّد الحاج سالم:لم يقم نزاع، ولن يقوم أبدا، بين العلم والدين في جوهرهما، بل بين العلم واللاّهوت ...
***********
محمّد الحاج سالم:
لم يقم نزاع، ولن يقوم أبدا، بين العلم والدين في جوهرهما، بل بين العلم واللاّهوت ...
***********
- خالد الحلاّج:مما قاله قاسم أمين حول هذه الفكرة في كُتيبه (كلمات)، ولا أزال أذكره:"تعصب أهل الدين وغرور أهل العلم هما منشأ الخلاف الظاهر بين الدين والعلم".
وليس بصحيح أن يوجد بينهما خلاف حقيقي لا في الحال ولا في الاستقبال ما دام موضوع العلم هو معرفة الحقائق المؤسسة على الاستقراء .
فمهما كثرت معارف الإنسان التي تملأ كل فكره-بعد كل اكتشاف يتحققه العلم- يبحث عن اكتشاف آخر ، وفي نهاية كل مسألة يحلها تظهر مسألة جديدة تطالبه بحلها .
الآن وغدا يشتغل عقل الإنسان بالعلم ، أي بمعرفة الحوادث الثابتة ، ولا يمنعه ذلك من التفكر في المجهول الذي يحيط بها من كل طرف . هذا المجهول الذي كان ويكون بعد الذي لا قرار له ولا حد لا في الزمان ولا في المكان هو دائرة اختصاص الدين. - زهير إسماعيل:سمّى ربعي بن عامر اللاهوت "جور الأديان" حينما سأله رستم قائد الفرس، قبل اندلاع معركة القادسيّة بقليل:ما الذي ابتعثكم؟ وقابل اللاهوت إلى"عدل الإسلام " الذي تمثّل في إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد...بما يعنيه من نفي لكلّ وسيط بين الله والإنسان(أديان*إسلام). فهل يكون الدين الخاتم إعلانا عن خروج من اللاهوت إلى الدين،أو خروج من الدين(بالمعنى الشائع للدين يومها) إلى التاريخ...أم يكون في جوهره "دينا ضدّ الدين" ؟؟؟...ابن تيميّة مثلما نهى عن عبادة الطبيعة(وهم اكتشاف قوانين الطبيعة والقول بالحتميّة ) نهى عن عبادة الشريعة(الفكر..واستقراره عند كليّات بعينها،يصبح الإنسان هو فكر الفكر=تألّهه)...
- حسّان الزغلامي:ألا ترى يا أستاذ زهير ضرورة إعادة قراءة أعمال ابن تيميّة على غرار ما قام به أبو يعرب المرزوقي مثلا مبيّنا أنّ هذا المفكّر أسيء فهمه، وخاصّة من قبل مدّعي فكره (السلفيّون)؟ وألا ترى أنّ مفهوم "ختم النبوّة" كما تبلور مع محمّد إقبال يمكن أن يمثّل حلاّ لسوء الفهم التاريخي الذي أشار إليه الأستاذ محمّد الحاج سالم ؟
- زهير إسماعيل:ما ذكرته عن ابن تيميّة كنت عيالا في أغلبه على أبي يعرب المرزوقي ... ويصبح نص ابن تيميّة بالقراءة نصوصا: وجد فيه السلفي "استعادة للأصل"، ووجد فيه ابو يعرب النزعة الإسميّة التي قطعت لأوّل مرّة في تاريخ النظر عند المسلمين(باستثناء التجربة التأسيسية الأولى) مع الميتافيزيقا اليونانيّة... ونشير إلى مبحث نبّهتنا عليه معطيات تبدو جانبيّة في أطروحة النحوي الكبير صلاح الدين الشريف،يتّجه إلى اعتبار أطروحة ابن تيميّة في الإصلاح الفلسفي نتيجة متقدّمة من فعل المنوال النحوي في العربيّة وعلومها... يقابله فعل المنوال المنطقي اليوناني.. فتكون الثقافة العربيّة الإسلاميّة في مستواها العالم صورة من تجاذب بين المنوالين المذكورين:النحو والمنطق... ويمكن أن نجد لهذا التجاذب أثرا في كلّ ما ارتبط بالعربيّة من علوم (نحو، بلاغة، نقد، فقه أصول، علم كلام... الخ) فتكون الثقافة العربيّة خطّين متوازيين في الاختصاصات التي ذكرنا مع وجود تقاطعات من حين لآخر. فإذا ضربنا مثالا على ما نقول في النقد ذكرنا قدامة (منوال منطقي) والعسكري (منوال نحوي)... السكّاكي(م.ن) القرطاجنّي (م.م)... وهكذا في بقيّة العلوم... ويمكن أن نتوقّف عند...وتمثّل المناظرة بين أبي سعيد السيرافي ومتّى بن يونس لحظة وعي المنوال النحوي بنفسه مثلما أشار الأستاذ شكري المبخوت... وأضيف أنّه قبل هذه اللحظة كان للمنوال النحوي فعله دون الوعي بهذا الفعل،من ذلك أنّ أحمد بن حنبل كان،في تقديري واقعا تحت أثر المنوال النحوي عند رفضه فكرة خلق القرآن... التي يمكن كانت فيها نكهة يونانيّة ومن ثم أثر المنوال المنطقي في علم الكلام الإسلامي في بداياته... ومن اللافت أنّ شيخ الإسلام كان حنبليّا... وكانت صلة السلفيّة به من جهة الفقه لامن جهة المنوال النحوي باعتباره "اختيارا" نظريّا له أثره في إنتاج المعرفة الفقهيّة وغيرها... هذا باب مهمّ يمكن من خلاله وصف علوم العربيّة وبلورة مشروع قراءة يضاهي قراءة أبي يعرب التي قامت على اعتبار الدين والفلسفة وجهين لحقيقة واحدة... وانتهت إلى أنّ نسبة ابن تيميّة إلى الثقافة العربيّة كنسبة كانط إلى الثقافة الغربيّة... كأنّ ابن تيميّة كانط عربي... ويضاهي قراءة عابد الجابري(بيان، عرفان، برهان) ولم تكن الثقافة العربيّة إلاّ نتيجة لتفاعل هذه النظم المعرفيّة الثلاثة... وكما نلاحظ انتباه أبي يعرب جزئيّا إلى المنوال النحوي نلاحظ انتباه الجابري أكثر إليه (بيان = نحو، برهان = منطق) غير أنّ حدود "مفهوم النظام المعرفي" كما استقاها من فوكو جعلته ينتصر دون مبرّر للبرهان في مشروع نقد العقل... فضلا عن كون الحدود ليست نهائيّة بين البرهان والبيان والعرفان، إذ أنّ الفكر الإنساني والأنساق لا تختلف بكون هذا بيانا والآخر عرفانا والثالث برهانا وإنّما تختلف باختلاف درجة العرفان والبيان والبرهان في الفكرالواحد... وهذا الاختلاف موصول باللغة وخُبْر الجماعة والمرحلة التاريخيّة...
- عادل بن عبد الله:صديقي زهير.. شكرا على هذا التحليل الممتع للعلاقة بين المنوالين النحوي و المنطقي. ولكن هذه الثنائية المنوالية تطرح قضية تموقع "العقل العرفاني". فالجابري رآى في هذا العقل أدني العقول الثلاثة (المعروفة) وأبعدها عن العقلانية سواء بالمعنى المنطقي أو النحوي( اللغوي العام). وبالطبع، لا يخفى على أي قارئ مدى اعتباطية هذا الحكم "القيمي" خاصة أمام الامكانيات الروحانية والاخلاقية و"الجمالية" الهائلة التي تحملها التجارب الصوفية الرائدة. كما لا يخفى عليك يا صديقي، أنّ الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمان قد "قلب" النموذج التحليلي الجابري، فهو و إن حافظ على النموذج "التثليثي" للعقول -مع تغيير التسمية( مجرد و مسدّد و مؤيد)، فإنه قد جعل أسفل "تقويم" الجابري أعلاه ( العقل المؤيد الذي يقابل العرفان عند الجابري ،صار هو أرفع انواع العقول عند المفكر المغربي طه عبد الرحمان). ولعلّ الإشكال الذي يُطرح هنا هو التالي: كأنّ الحديث عن منوالين" حصريين" لانتاج المعرفة ( النحوي و المنطقي) يجعل الصراع أساسا بين "ورثتهما" المعاصرين ( الفقيه الأصولي من جهة و "المثقف" العقلاني المعلمن من ناحية أخرى)، وأحسب أنّ "المنوال الثالث المرفوع"،(أي العقل المؤيّد أو المنهج الذّوقي ) هو أقدر المواقع على خلخلة هذا الاستقطاب الثنائي الحاد بين الشرع و العقل أو النحو والمنطق أو بين القانون الوضعي و الشريعة...فالشريعة من غير نظر الى ما يحكمها من "أعمال القلوب" لا محصول لها، و العقلانية اذا ما انفصلت عن "غائية اخلاقية" لا ثقة فيها... و أزعم أنّ دور النظرة "الذوقية" (اذا ما تمّ فصلها عن تراثها "الطرقي" المتأزّم) قادرة على لعب دور" الوساطة" المعرفية و الأخلاقية و الروحية بين الغلوّ في العقلين المتنافسين الاخرين...
- زهير إسماعيل:هل لنا أن نقول إنّ المنوال النحوي يؤسّس العقول الثلاثة... بما فيها العقل العرفاني؟؟... لعلّ هذا ما سوّغ للقدامى تمييز التصوّف السنّي الذي يمكن أن نعتبره منتجا عرفانيّا أساسه المنوال النحوي... قد تتوضّح المسالة أكثر باستعادة المناظرة بين متّى وأبي سعيد... ذلك أنّ بعض المناطقة لم يفصلوا بين المنجز العقلي واللغة الحاملة...فظنّوا أنّ ما ينطقون به من منجز يوناني بلغة الضاد منفصلا عنها كليّة بمجرّد ترجمته عن اليونانيّة...ويبدو أنّه لاحلّ لمعضلة الترجمة إلا بالتسليم بوجود "لغة" ثالثة فيها من اللغتين والإقرار بهذا يسلمنا إلى سؤال عن هويّة المنوال الناتج عن اللغة الثالثة؟؟...أمّا عن طه عبد الرحمان، فإنّ أهل الاختصاص (أعيد كلاما قرأته) اعتبروا انتصاره للعقل المؤيّد وقوعا تحت تأثير الدرس الهيدغيري الذي يؤسّس لنوع من البوذيّة الجديدة (دين بلا إله) وهو المعنى الذي بلغه التصوّف الإشراقي مع السهروردي المقتول واستوى مع التصوّف الفلسفي ... في فصوص الحكم لمحي الدين بن عربي... أبو يعرب استدعى كانط واستدعى طه عبد الرحمان هيدغير...
- عادل بن عبد الله: كل كلامك معقول يا صديقي الاّ "المنقول" عن أهل الاختصاص: اطروحة طه عبد الرحمان -كما افهمها من خلال ما قرأت من أجزائها ،وهو ليس بكاف لبناء حكم موضوعي- تنتصر للعقل الفقهي من خلال ما أسميته بـ"التصوّف الشرعي" الذي ينطلق من "المشترك" الطقوسي و المرجعي (السني أساسا) لتعميقه "روحانيا" أو معرفيا بتجربة ذوقية-منطقية يتداخل فيها الكشف مع التعليل.....
- زهير إسماعيل:نعم أخي عادل... عنيتُ بالمنقول ما ترسّب في الذاكرة ممّا قرأتُ...ولا أتذكّر مصدرا بعينه، وإنّما توخّيتُ الأمانة وأحلتُ الكلام إلى أهل الاختصاص درءا لادّعاء قد يُستشفّ من نقد هذا أو الحكم على فكر ذاك أو الحكم له... فضلا عن كوني لا قبل لي بالإحاطة بما يعرض فلاسفتنا الأجلاّء، ومنهم أبو يعرب وطه عبد الرحمان، فكيف لي بنقدهم ؟شكرا لك... لا يستقرّ الحديث معك إلاّ على غُنم كبير.. وقديما قال الخليل، وهو أذكى العرب: إنّما هوّن عليّ مصائب الدنيا: مرّ الليالي، والمرأة الحسناء، وأحاديث الرّجال...
- عادل بن عبد الله:كل الشكر لك يا صديقي... و لا أقول لك الاّ ما قال الشاعر في غير هذا المقام: ثنّ ولا تجعلها بيضة الديك... و اجعل صفحتنا منك على بال .. ومرحبا بك في كل آن ...تحياتي
0 التعليقات:
إرسال تعليق