السبت، 23 يوليو 2011

درس فلسفي: مبحث الخيال


  • تعريف التخيّل:
يُعرّف التخيّل بأنّه قدرة الذّهن على استحضار الصّور. وهو، كما يرى كثير من الفلاسفة، على نوعين:
  • خيال تمثيلي une imagination representative، قائم على استحضار صور الاشياء بعد رؤيتها، وهو اشبه بالذّاكرة، ولكنّه يختلف عنها بأنّه ذاكرة بلا تحديد زمني او كما يقول بعضهم ذاكرة بلا تذكّر او “ذاكرة بلا عرفان”.
  • خيال مبدع une imagination creatrice، وهو ما تكلّم عنه علماء النّفس والذين اضافوه الى المعنى السّابق، وهو قائم علىابتكار صور مستحدثة لم نرها سابقا في العالم الخارجي.

يقول “برادين” Pradines، يعني التّخيّل ان نخلق صورا تكون بديلا عن الاشياء المُدرَكة هروبا من الواقع او نتيجة احساس فنّي او تحقيقا لرمزيّة تخريفيّة او تمثيلا لشيء؛ فيكون التّخيّل “نشاطاً ذهنيّاً”.
وإن كانت الصورة تمثيليّة استرجاعيّة او جديدة مستحدثة، يبقى السؤال:
ما طبيعة الصّورة؟ وما علاقتها بالواقع الحسّي؟ ما الذي يدفع الفنّان الى تخيّل عالم مختلف؟ ما الوظيفة النّفسيّة للتخيّل؟ وهل تلعب التّربية دورا في التّحضير الى الابداع؟ 

اسئلة كثيرة تدفعنا الى طرح الاشكاليّات التّالية:
  •  الاشكاليّة الاولى:  ما طبيعة الصّورة؟
النّظريّة التجريبيّة:
كان علم النّفس التقليدي في منحاه التّجريبي يساوي الصّورة الذّهنيّة بما يتبقّى من الادراك بعد غيبته، اي بالاثر المادي المنطبعفي الدّماغ.
ولما كانت الصّورة متولّدة من الادراك فإننا نفهم انّ الذي يولد اعمى لا تتكوّن عنده صورة بصريّة، وكذلك المولود الاصمّ لن يعرف الصّور الصوتيّة. ونفهم ايضا العلاقة بين التخيّل المستعيد والتّخيّل الخلاق: فالاوّل هو تمثّل موضوع غائب من خلال الصّور الذّهنيّة التي خلّفها، والثّاني خاص بالمبدعين من الموسيقيين والرسّامين والادباء والفلاسفة والمخترعين…ويعتمد على التخيّل المستعيد؛ فهو في الحقيقة ترتيب جديد غير مألوف للصور المتبقيّة من الادراكات الخارجيّة.
وقد ميّز “هيوم”Hume، الانطباعات الحاصلة عن الادراكات الخارجيّة من انعكاساتها في الذّهن، على شكل صور خفيفة  على شكل افكار. وتتحرّك هذه الصّور في الابعاد الزمانيّة المختلفة، فتبقى الطريق سالكة بين المتخيّلة والذّاكرة والادراك. فعندما ينحصر موضوع الصّورة في الماضي تكون تذكّرا، وعندما تتعلّق بشيء ممكن تكون استشرافا للمستقبل، وقد تكون الصّورة اخيرا مماثلة مع شيء حاضر؛ الا ان هذه الصورة، وفي كلّ الاحوال، تبقى مجرّد رمز او بديل عن اصل.
وإذا كانت الصّورة الذّهنيّة انعكاسا ضعيفا للإدراكات الخارجيّة، فإنّ الفرق بين الحالتين ينحصر عندئذ في درجة قوّة كلّ منهما، وقد نكون معرّضين للخلط بينهما في الحالات العاديّة وكما في حالات النّوم والهلوسة النّاتجة عن اسباب نفسيّة او عصبيّة.  
نقد النّظريّة التجريبيّة: (النظريّة الفينيومنولوجيّة)
إن موقف التجريبيّن غير مقبول، فإننا في الحالات السويّة نميّز جيّدا الصورة من الادراك بصرف النّظر عن شدّتهما؛ فلا نخلط بين الادراك والتّصوّر؛ ومردّ ذلك الى طبيعة الوعي، فإننا نميّز بطريقة عفويّة ما بين الادراك والتّصوّر؛ فلا يقع في ظننا ان يكون التّصوّر القوي ادراكا ولا الادراك الضعيف تصوّرا. فإنني عندما اكون في غرفتي وقد اغلقت النّوافذ وسمعت خربشة على الشّرفة فإنني احتاج الى فتح النّافذة لأتحقق فقط من موضوع الادراك هل هو مطر ام لا.
والخطأ الاساسي الذي وقع فيه الفلاسفة التجريبيّون هو في اعتبارهم الوقائع النّفسيّة اشياء من دون الاخذ بالاعتبار عمل “الوعي المدرِك” و”عمل الوعي التّخيلي” والفرق ما بينهما. فالمدرَك والمتخيَّل يجب ان يُفهما انطلاقا من عمليّة التّخيّل وهذا ما اظهره الاتجاه الفينومنولوجي la phenomenologie. فإن توجّه الوعي هو الذي يحدد حقيقة فعله. فإن التصور كالادراك هو فعل ما للوعي في علاقاته بمواضيع المعرفة. فعندما اتوجه بوعيي الى ادراك الاشياء الخارجيّة فلن يقع في ظنّي انني اتخيّل اشياء غير موجودة. فكان خطأ التجريبيين انّهم اكتفوا بمقارنة مضمون الادراك بمضمون التخيل فرأوا في الحالتين صورة تشتد في الاولى وتضعف في الثّانية، فكانت نظرتهم الى الحياة النّفسيّة شيئانية ترتكز على مضمون الوعي وتهمل فعله. فقد اكدت الفلسفة الظاهرية على ان الوظائف النفسية ليست مضامين داخلية، بل هي افعال للوعي المتجه الى الخارج، فيكون فعل الادراك مختلف تماما عن فعل التخيل ولا يقع الخلط بينهما قط في الاحوال السّويّة.
نظريّة “سارتر”Sartre:
الفلاسفة المحدثين رفضوا فكرة وجود صور ذهنيّة في الفكر، شبيهة بوجود صور فوتوغرافيّة في ألبوم صور. “هوسّرل” والفينومنولوجيّون قالوا أن الوعي ليس حاويا لصور، بل هو حركة “تقصد” غيرها: “لا شيء في الوعي، و”كل وعي هو وعي لشيء ما”. فما من صور خياليّة وانّما هناك “وعي متخيّل“. وقد اخذ “سارتر” Sartre بهذه النّظريّة الظاهريّة في تفسير التخيّل. ففي مقدور الوعي ان يذهب بالفكر الى ما بعد الواقع في اتجاه الممكن. وان التخيّل ليس سوى التفكير في الشيء بوصفه غير موجود، اي هو “إعدام” الشّيء”. وللتخيّل لا بدّ لنا من شبيه للمُتَخيَّل. وهذا الشّبيه هو “مادّة” التّخيّل التي نعبر منها وبها الى المُتَخيَّل.
ونأخذ على سبيل المثال الصورة الفوتوغرافيّة، فهي شبيه يعبر وعينا من خلاله الى تخيّل الاصدقاء الذين ترمز اليهم الصورة. ولكن هذا التّخيّل لا يحصل إلا اذا توقّفنا عن ادراك الصّورة كجسم مادّي، اي إذا “اخترقنا” الصورة الماديّة لنصل الى الرموز المتخيّلة.
وهذا “الترميز” اي التخيّل لا بدّ له ايضا وخصوصا من قيام جسمنا “بتخطيط” حركته إزاء الرّمز المتخيَّل، إذ لولا هذا التّخطيط الجسدي لما كان التّخيّل سوى معرفة مجرّدة عن الرّموز المتخيّلة.
لذا يرى “سارتر”، شأن أصحاب النّظريّة الفينومنولوجيّة، ان لا وجود لصور ذهنيّة يعود اليها وعينا لكي نتخيّل. إننا نتخيّل أننا نتخيّل…فمناقشة فرضيّة وجود صور ذهنيّة، او عدم وجودها، تُعيدنا الى السّجال حول فرضيّة وجود ذكريات في الدّماغ او عدم وجودها. وإنّ اي تقدّم حقيقي في الطروحات حول هذه المسألة، لا بدّ أن يأتي من جانب علم الفيزيولوجيا اولا، لا من الفلسفة.
وهكذا تحول نظريّة “سارتر” الخيال الى “فعل تخيّل” وليس الى مجموعة من الصّور الذّهنيّة. وهذا ما يؤدّي الى قلب النّظريّة التجريبيّة. فالخيال المبدع لم يعد خيالا استرجاعيا لمدركات حسيّة سابقة، بل عمليّة ذهنيّة تلغي ما هو امامها من اشياء محسوسة لتسقط مكانها كل ما عند الشّخص من رغبات وأحلام وتطلّعات ذاتيّة… لذا فإنّ التخيّل تعبير عن الذّات لا عن العالم، ويرى “باشلار” ان التّخيّل عائق من عوائق المعرفة الموضوعيّة…
  • الاشكاليّة الثّانية: إن الجدل حول مسألة الخيال الخلاق او المبدع يجعلنا نطرح السؤال الذي كان وما زال يحيّر الفلاسفة والمفكّرين: ما الذي يدفع البعض الى الابداع؟ وما هي عناصر الخيال الخلاق؟ ومن هو العبقري؟
لم يهتمّ الفلاسفة القدماء بالخيال إلا بوصفه إعادة تمثّل الصّور المكتسبة، وليس بوصفه مجالا للخلق والابداع والختراع مع اعترافهم بوجود هذا النّوع الثّاني من الخيال.
اما الفلاسفة المحدثون الذين يعيشون عصر الاختراعات المتلاحقة في العلوم والتكنولوجيا، كما في الفنون التشكيليّة التي ابتعدت عن الصور المطابقة للشياء بعد اختراع آلة التصوير الفوتوغرافي(الصورة الجامدة) والتصوير السينمائي والتلفيزيوني (الصورة المتحركة) وتقنياتهما المبتدعة المتطورة – فإنهم اهتموا اكثر ما اهتموا بالخيال المبدع: في الفنون والاداب والعلوم والتقنيات.
فالإبداع اي الميل الى الجديد له دلالات عدّة اهمّها:
  •  ان الانسان يرفض قيود الزمان والمكان، الان والهنا، ويجهد لتجاوزهما.
  • ومنها انه لا يكتفي بإنجازاته السابقة بل يطلب دائما انجازات جديدة يتجاوز بها الماضي، وهو إذ يفعل ذلك فإنه يعبّر عن تفرّد ليس موجودا عند بقيّة الكائنات، اي القدرة على خلق حضارة وتطويرها باستمرار. فالابداع او الاختراع او الخلق هو تحقيق الذّات التواقة ابدا الى التجاوز، تجاوز واقعها وتجاوزها ذاتها.

فالابداع هو اكتشاف علائق جديدة بين عناصر الكون، او اختراع علائق جديدة. اي انّه اتجاه وتوق انساني عارم، ليس نحو الماضي، او الحاضر، بل باتجاه المستقبل، صوب الممكن والمحتمل.
ما هي العناصر التي تساعد على الابداع؟
  • ثقافة العصر والمبدع: إن اي ابداع فني واكتشاف اي نظريّة علميّة هي نتيجة معرفة مكتسبة وعميقة لكل ما توصّلت اليه وانتجته الثقافات الماضية. فالنظرية العلمية لا يمكن الوصول اليها الا بعد دراسة مضنية ومتابعة متواصلة لتطوّر العلوم والتقنيات. ونجد العديد من الباحثين الذين توصّلوا الى اكتشاف النّظرية ذاتها دون معرفة سابقة فيما بينهم. مثلا “نيوتن” و”ليبنتز” تخيّلوا في وقت واحد حساب الكميّة الصغرى le calcul infinitesimal…مردّ ذلك الى ان ثقافة العصر كانت قد نضجت لهذا الاكتشاف. وثقافة المبدع هي معارفه العميقة بآخر ما انتجته الثقافات، وفي أعلى مستوى يقتبسها من مجتمعه الذي يؤمنها له؛ فإبداعه هو تجاوز، في مجال معيّن، لحاضر ثقافة عصره. ولا معنى للإبداع إن لم يكن تجاوزا للموجود: في العلوم كما في الفنون كما في اي مجال آخر. لا معنى للاكتشاف ان كان موضوعه معروفا من قبل. فواجبات المجتمع في مجال الابداع تقتصر على تأمين الشروط الفضلى له، وهي الحريّة والتعليم، والدّعم المالي والرعاية المادية.
  • جذور المبدع العاطفيّة: شغفه وحماسته وأهواؤه ورغباته ودوافعه…إن كل اختراع هو اشباع لحاجة او رغبة شخصيّة واعية او لاواعية، ولحاجات جماعيّة ملحّة. فالفن قد يكون معبرا عن الأهواء والقلق. واختراع الالات هو تسهيل إشباع حاجاتنا الاصيلة والمستجدّة. لذا قيل:”الحاجة أمّ الاختراع”. ومن لا أهواء ولا رغبات ولا حاجات …عنده لا يسعى الى ابتداع اي شيء. وما يقال في ميدان الابداع العلمي والتقني والفني يقال في الاشكال الاخرى المتواضعة للخيال الابداعي. فأحلام اليقظة تعبّر عن الدوافع والرّغبات العاطفية ويمكننا تفسير الابداع التخيلي الوهمي utopies عندما يكون الانسان حزينا في مجتمعه يميل الى تخيّل عالم مختلف افضل كتخيّل مدينة فضلى…
  • أهميّة الحدس: حتّى الآن لم نتحدّث سوى عن ادوات الابداع والمناخ العاطفي الذي يحثّ على التّصرّف. يقول Faraday: “لو عرفتم كيف توصّلت الى اكتشافاتي لقلتم عنّي بأنني مجنون”، فمراحل العمل الابداعي تختلف عن الخطوات المنطقية. ولاكتشاف وابتكار شيء ما علينا اقتحام الافكار المتباينة والابتعاد عن العادات الفكرية المألوفة والتفتيش عن كل غريب لأن الوسائل التي بها نكتشف تختلف اختلافا كبيرا عن الوسائل التي بها نبرهن، ولقد شبّه “كوندياك” المناهج العقلية بالحواجز التي تحيط بالسّور؛ فهي لا تدفعنا الى الامام اي لا تدفعنا للإختراع بل تمنعنا من السّفوط في غياهب اللامنطق.
  • ذكاء المبدع: صحيح بأن الاهواء والحاجات تدفع الى الابداع اما الابتكار والاكتشاف فلا يتحقق من غير الفكر، ومن غير ذكاء خاص لاكتشاف علاقات لم ينتبه لها احد من قبل. لذلك علينا ردّ الاعتبار للذكاء كفاعل اساسي في عملية الابداع لذلك لا يمكننا فصل المتخيّلة عن الذكاء اي القدرة على ادراك الروابط والعلاقات الغير مرئية ما بين الظواهر المتباعدة والتي لا يراها غير العبقري. فخيال “نيوتن” المبدع جعله يرى الظاهرة نفسها في حوادث متباعدة عن بعضها البعض ظاهريا: سقوط التفاحة على الارض – المدّ والجزر – ودوران الكواكب.…كما يظهر دور الذكاء من خلال العمل العقلاني الضروري الذي يلي كل اكتشاف حدسي فيقوم بإعادة تركيب عناصر الاكتشاف ويربط فيما بينها او يتوصّل الى اقامة علاقات جديدة في بنى جديدة.

نستنتج مما سبق ان الخيال ليس وظيفة نفسيّة منعزلة ولا يمكن فصله عن الارادة والاخلاق اي باختصار عن الشخصيّة بكاملها وعلاقتنا بالمحيط الاجتماعي الذي نعيش فيه.  ولئن كان الابداع يظهر فجأة، في وقت معيّن من دون وقت آخر، وفي حالة ذاتيّة معيّنة يسميّها الادباء والفنانون “الالهام” فإن هذا الالهام له اسس وشروط فكريّة ثقافيّة ونفسيّة وبيولوجيّة جسديّة. لذا قيل وعن حق: كيف نكتشف فجأة ومن غير بحث، يجب أن نكون قد بحثنا قبل ذلك طويلا من غير ان نكتشف. فالاكتشافات العلميّة والفكريّة عموما لا تتم بالصّدفة وبالحظّ مثل الرّبح بالياناصيب، حتى ولو بدت ظاهرا انها تتمّ هكذا.
الاكتشاف، هو انجاز المبدع المُهيّأ أكثر من الباقين للقيام بهذا الاكتشاف.
الاشكاليّة الثالثة: أهميّة المخيّلة

كما اختلف علماء النفس في تحديد معنى المخيّلة، اختلفوا في تحديد اهميّتها فلقد أدان البعض المخيّلة ورأى آخرون بأنّها اساس كل تقدّم علمي وتطوّر تقني.

أ‌-       إدانة المخيّلة:
يدين “باسكال” المخيّلة ويرى فيها “سيّدة المغالط والاخطاء” هذه القدرة الهائلة هي عدوّة العقل. وسبب ذلك كونها مصدر للعديد من الاوهام البعيدة عن الواقع. ولذك لقّبها “Malebranche” بـ “مجنونة الدّار”. كذلك اعتبر “Bachelard” الخيال عقبة امام المعرفة العلميّة الموضوعيّة. فالعالم المتخيّل هو عالم إفتراضي غير واقعي يعبّر عن ميولنا وحاجاتنا واحلامنا فقط. اي ان المخيّلة تعكس الرّغبات وتبعد الانسان عن الواقع والمنطق.
ومن النّاحية النّفسيّة فإن الشعور بالتّعاسة يبقى نتيجة الاوهام. فهناك العديد من الامراض الوهميّة التي نعاني منها من دون ان يكون لها اي سبب عضوي. واغلب آلامنا النفسيّة مصدرها الخيال. فنحن نتعلّق مثلا بمستقبل بعيد المنال يجعلنا نصطدم بمرارة الواقع. وكذلك في حال التشاؤم يتوقّع الانسان كوارث ومصاعب لا وجود لها إلا في مخيّلته. ويُقال انه من الاسهل على الانسان تحمّل الالم الحاضر من تصوّر وانتظار مصيبة آنيّة.
ب‌-  تبرئة المخيّلة من كل السيئات واظهار قيمتها الايجابيّة في مجال الابداع
اذا كان “باسكال” يدين المخيّلة، فإنّ “Baudelaire” يرى فيها سيّدة القدرات ومصدرا واساسا للعديد من الاكتشافات. ووصفها Ghoeth “” بأنها المدرسة التي تعمل على اعداد الفكر.  فهي التي تتصوّر الحلول الممكنة وتدفع العقل للتأكّد من صحّتها وللمخيّلة دور كبير في استكشاف العلاقات والاسباب التي تعجز الحواس عن رؤيتها…هذا من الناحية المعرفيّة.
اما من الناحية العاطفيّة والشعوريّة، فإن الانسان يستطيع من خلال المخيّلة ان يخلق صورا وعالما مليئاُ بالجمال والفرح. فيضيف الانسان على الحقيقة سحرا وجمالا كما تضفي الشمس الرّونق والاشراق على الاشياء. واهم دور للمخيّلة نجده في نظريات التحليل النفسي، ففي التخيّل يستطيع المرء ان يحقق في اللاواقع ما لم يستطع تحقيقه في الواقع.
  • الخلاصة
على الرّغم من ان المخيّلة غالبا ما تكون عدوّة العقل الا انّها ضروريّة لكل عمليّة خلق وابتكار لذلك علينا التمييز مع “Bachelard” ما بين:
  • مخيّلة ليليّة كاذبة وعدوّة للعقل كما في الاحلام واحلام اليقظة والهلوسة.
  • ومخيّلة نهاريّة تساعد العالِم في بناء معطيات علميّة واكتشاف نظريّات وتقنيات جديدة. هذه المخيّلة ليست عدوّة للعقل بل ترتبط به وتهيّء عمله وكما قال Baudelaire” المخيلة ملكة القدرات”. وكما يمكنها ان تكون مصدر لسعادة الانسان. وحدد Alain العلاقة ما بين المخيّلة والعقل قائلا: “النفس شبيهة بعصفور له جناحان يساعدانه على التحليق عاليا. احد الجناحين هو الخيال الذي يأتي في المقدّمة ليستكشف ويجد الطريق، والجناح الآخر هو العقل الذي يأتي كي يختبر ويتحقق من صحّة الاكتشاف. نخلص مما سبق انه يجب التوصّل الى توازن ما بين المخيّلة والعقل وعلينا الاهتمام بهذا التوازن وعدم إغفاله، وان يكون هدفا للمربّي الذي عليه ان يلحظ الامور التالية:
  • o       على المربّي ان لا يقمع المخيّلة الناشطة لدى الفرد ولكن عليه ان لا يتركها تجنح في اللاواقعيّة.
  • o       على المربّي توجيه الخيال لدى الفرد ودفعه الى تقدير روائع الفن والادب والى جعله يشعر بجمال هذه الاعمال وايجاد مواطن الجمال والروعة والتجديد فيها.
  • o       على المربّي ان لا يتجاهل مثلا شعور الولد بالدّهشة امام جمال الطبيعة وان لا يستخفّ برسومه واختراعاته البريئة، بل عليه ان يظهرله كيف يتعامل الفنان مع فنّه والمخترع مع اختراعاته، والمبدع مع ابداعه، وبعبارة اخرى على المربّي ان يقوم في الوقت عينه بتصويب وتنشيط التخيّل.
ولكن كيف نستطيع اثارة المخيّلة وتمرين الافراد على التفكير الخلاق؟
حسب مبادئ التربية الحديثة لو قام المربّون بإثارة وتعزيز الاستجابات الابداعيّة لدى الطلاب فإنّهم سوف يحصلون على المزيد من السلوك الابداعي فيما بعد. وقد دلّت التجربة على صحّة هذا الافتراض.
هذا وكثيرا ما يتعرقل الابداع نتيجة لخوف الانسان من ان ينظر الناس الى فكرته الجديدة بوصفها سخيفة او لا قيمة لها. وهكذا فهو يتراجع عن افكاره الجديدة ومع الوقت يعتاد عدم التفكير بصورة مبدعة بالمطلق. فكيف نحول دون حدوث ذلك؟
إن واحدة من الطرق هي: فكرة عقد جلسات تمطر الدماغ بالافكار:
  • في المرحلة الاولى وتسمّى مرحلة ايجاد الافكار؛ تقدّم مشكلة لفريق ويطلب الى اعضاء الفريق ان يفكّروا في كل الحلول الممكنة سواء بدت عمليّة ام لا. ويشجّع المشاركون على التحرر من كل تردد ولا يسمح لهم بنقد افكار غيرهم.
  • المرحلة الثانية وهي المسماة “بالمرحلة التقويمية” ينظر الفريق في كل فكرة بعناية ويستبق تلك التي تبدو ممكنة التحقيق ولو بصورة بعيدة. ويمكن تطبيق هذه الطريقة مع الفرد كما مع الجماعة.
نخلص الى ان الخيال بمعناه البعيد هو طموح الانسان لتجاوز الحدود والقيود التي تفرضها الطبيعة والسلطات، والتحرر من اطر الزمان والمكان الضيّقة، اطر الآن والهنا. لذا يقوم الخيال باختراع عناصر جديدة بعلاقات جديدة في بنى جديدة. لذا هو يتجاوز الادراك الحسّي وليس بالضرورة استعادة لصور حسيّة سبق وادركناها. فمن حيث هو ربط عناصر متباعدة، الخيال هو نوع من الذّكاء المتفوّق. ومن حيث هو رفض البنى التقليديّة المفروضة، الخيال هو ثورة. ومن حيث هو طلب الجديد وغير المألوف، هو تجاوز وحريّة.  والخيال سلاح ذو حديّن: للخير الاعظم وللشر الاعظم. لذا لا يمكن فصله عن الارادة والاخلاق والعلاقة بالاخرين.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More